التشغيل يُعد أحد أهم الركائز لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية في أي مجتمع، خاصةً في الدول النامية مثل المغرب. فهو لا يقتصر على خلق فرص عمل فقط، بل يساهم في بناء ديناميكية اقتصادية شاملة، وتقليص معدلات الفقر، وتعزيز العدالة الاجتماعية.
النموذج التنموي الجديد في المغرب أدرك أن التشغيل لا يتحقق بدون إصلاح شامل للسياسات الاقتصادية والاجتماعية. لذلك، وضع توصيات استراتيجية تهدف إلى معالجة جذور البطالة:
• التعليم والتكوين المهني: تأهيل الشباب علميًا ومهنيًا ليتماشى مع متطلبات سوق العمل، مثل تلبية احتياجات القطاعات الحديثة كالاقتصاد الرقمي والصناعات الإبداعية.
• دعم الاستثمار: توفير بيئة ملائمة للاستثمار من خلال سياسات اقتصادية مستقرة وقوانين تشجع المقاولات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها محركًا رئيسيًا لخلق فرص العمل.
• تقليص الفوارق المجالية: توجيه المشاريع التنموية نحو المناطق القروية لتحقيق التوازن بين المناطق الحضرية والقروية، مع تشجيع الجهوية المتقدمة لضمان توزيع عادل للثروات.
• تعزيز الابتكار وريادة الأعمال: دعم مشاريع الابتكار للشباب ومنح فرص لهم لتطوير حلول للتحديات الاقتصادية والاجتماعية عبر منصات ريادة الأعمال.
• تحسين ظروف العمل وتعزيز دور النساء: إرساء بيئة عمل تحمي حقوق العمال وتعزز مشاركة النساء، مع توفير سياسات دعم خاصة للأمهات العاملات.
– برامج التشغيل الحكومية وأهدافها:
أطلقت الحكومة المغربية برامج مبتكرة لتعزيز قابلية التوظيف لدى الشباب وتشجيع العمل. ومن بين أبرز هذه البرامج:
• برنامج انطلاقة: يسعى لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم قروض بفوائد مخفضة وبرامج تدريبية كما يشجع على تطوير الأعمال وتحقيق الاستدامة الاقتصادية.
• برنامج اوراش: برنامج ارادي للتشغيل هدفت الحكومة من خلاله خلق 250 ألف منصب شغل ما بين سنتي 2022 و2023، عبر عقود مؤقتة ودائمة، يستفيد منها الأشخاص الذين فقدوا عملهم بسبب جائحة كورونا بالإضافة الى الأشخاص الذين يجدون صعوبة في الولوج لسوق الشغل، رصدت له ميزانية سنوية ب 2.25 مليار درهم، حيث تمكنت الحكومة من خلاله من خلق من أكثر من 200 ألف منصب شغل.
• برنامج فرصة: برنامج حكومي استهدف دعم وتشجيع خلق المشاريع ومواكبة حاملي المشاريع عبر قروض ميسرة تصل قيمتها الى 100 ألف درهم مع فترة سداد تصل الى 10 سنوات، بميزانية تصل الى 1.25 مليار درهم سنويا، حيث تمكنت الحكومة من توجيه ازي من 20 ألف حامل مشروع.
• برنامج انا مقاول: برنامج حكومي اطلقته وزارة الادماج الاقتصادي و المقاولة الصغرى و الشغل والكفاءات، يهدف الى مواكبة 100 ألف من رواد الاعمال و حاملي المشاريع و المقاولين الذاتيين و الوحدات الاقتصادية غير المهيكلة و المهلكة، وتمكنت المقاولات الصغرى و المقاولات من الاندماج في النسيج الاقتصادي المهيكل في افق سنة 2026، من خلال مجموعة من الاجراءات التحفيزية التي تروم دعم الولوج الى الخدمات الاستشارية، وتسهيل الولوج الى التمويل عبر منصة مرتبطة بأكثر 10 ابراك، و بناء قدرات المقاولين و الخدمات المحاسبية و الضريبية و الادارية، بميزانية اجمالية مخصصة ب 600 مليون درهم.
– التحديات والنتائج على أرض الواقع:
على الرغم من الأهداف الطموحة لهذه البرامج، إلا أن النتائج تشير إلى وجود تحديات حقيقية تحد من فعاليتها: فا في دراسة حول نجاعة البرامج الموجهة للشباب خلال الفترة ما بين 2016 و2021 قام بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب قدم توصيات مهمة بشأن برامج دعم فرص العمل للشباب. من أبرز النقاط التي تناولها المجلس:
• التلقائية البرامج القطاعية: المجلس أوصى بضرورة تنسيق البرامج الحكومية المختلفة لضمان تحقيق أهدافها بشكل فعّال، خاصة فيما يتعلق بإدماج الشباب الذين لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين
• تعزيز قابلية التشغيل: دعا المجلس إلى تحسين التعليم والتكوين المهني، وتوسيع مدارس الفرصة الثانية، وتشجيع روح المقاولة لتحويل طاقات الشباب إلى رأسمال بشري منتج
• تقييم البرامج السابقة: المجلس أشار إلى أن البرامج الموجهة للشباب خلال الفترة 2016-2021 لم تحقق التأثير المطلوب بسبب غياب رؤية شاملة ومؤشرات واضحة لقياس النجاح
• التوصيات المستقبلية: المجلس شدد على أهمية إنشاء نظام معلوماتي وطني لرصد وتتبع الشباب في وضعية هشاشة، وتطوير تدابير وقائية لمنع وقوع فئات جديدة في هذه الوضعية
اما المندوبية السامية للتخطيط فقد قدمت تحليلات مهمة حول برامج دعم فرص العمل للشباب في المغرب. وفقًا لتقاريرها، هناك نقاط بارزة تشمل:
• معدلات البطالة بين الشباب: معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة بلغ حوالي 30.2%، وهو أعلى بكثير من المعدل الوطني الذي يبلغ 11.2%
• الشباب غير النشطين (NEET): يُقدّر عددهم بأكثر من 1.5 مليون شاب لا يعملون ولا يتابعون الدراسة أو التكوين، مما يبرز تحديًا هيكليًا في إدماج هذه الفئة في الدورة الاقتصادية.
• النساء وحاملو الشهادات أيضًا يعانون من معدلات بطالة مرتفعة، حيث تصل إلى 15.1% و18% على التوالي
• تأثير جائحة كورونا: الجائحة أدت إلى فقدان حوالي 432 ألف وظيفة، معظمها في الوسط القروي وقطاع الفلاحة والغابة والصيد
• تحديات هيكلية: البطالة بين الشباب ليست ظرفية فقط، بل هيكلية، مما يتطلب إصلاحات عميقة ومستدامة
• توصيات: تحسين ملاءمة التكوين المهني مع احتياجات سوق العمل.
– تعزيز برامج التشغيل النشيطة والمستدامة.
– توفير الحماية الاجتماعية بشكل شامل وفعّال.
– أهداف الندوة
ندوتنا تُشكل فرصة قيمة لجمع مختلف الأطراف المعنية من أجل:
• عرض برامج التشغيل الحكومية: لتوضيح السياسات وأهداف هذه البرامج.
• مناقشة التأثير الفعلي: من خلال تحليل الإيجابيات والسلبيات بناءً على الإحصائيات والحقائق.
• تقديم مقترحات لتحسين البرامج: من خلال رؤى جديدة تُركز على الابتكار والاستدامة لمعالجة تحديات البطالة بشكل جذري.


