هيلان
في الآونة الأخيرة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها “فيسبوك”، مسرحًا لظاهرة مثيرة للجدل تتمثل في نشر فواتير المطاعم مرفقة بتعليقات ساخرة أو منتقدة للأسعار المرتفعة، غالبًا بعد تناول وجبات كاملة مع الأصدقاء أو أفراد العائلة في مطاعم معروفة أو مصنفة ضمن خانة “الراقية”.
اللافت في هذه التدوينات هو ازدواجية الخطاب: من جهة استهلاك كامل للخدمة، ومن جهة أخرى شكوى أو تلميح بأن الأسعار “مبالغ فيها” أو “صادمة”، دون مراعاة السياق أو مسؤولية المستهلك.
المبدأ الأول: “اطّلع قبل أن تطلب”، قبل الجلوس في أي مطعم، سواء كان راقيًا، متوسطًا أو شعبيًا، من البديهي بل من واجب الزبون أن يطّلع على قائمة الأسعار المعروضة بشكل واضح (وغالبًا قانونيًا إلزاميًا)، ويقرر حينها إن كانت تناسب وضعه المالي والاجتماعي.
الحرية في الاختيار مكفولة، كما أن المدينة تعجّ بخيارات متعددة، من عربات الأكل السريع إلى مطاعم فاخرة تطل على البحر أو المدينة القديمة، وكلها تقدم تجارب مختلفة بأسعار مختلفة.
ينسى كثيرون أن ما يدفعونه في المطاعم لا يقتصر على ثمن الطعام وحده، فهناك تكلفة المكونات، أجور الطهاة والنُدُل، أدوات الطهي والتقديم، النظافة، الموسيقى، الديكور، الإيجارات الباهظة، الضرائب، وحتى الكماليات التي تجعل تجربة الجلوس في مطعم مميزة.
فهل يُعقل أن تقارن هذا كله بسعر علبة سردين وخبز من بقال الحي؟ طبعًا لا، إذا كان الزبون يريد الأكل بأقل تكلفة، فالمطبخ المنزلي أو “سندويتش الطون” في أقرب حديقة هو الخيار الأمثل، دون سخرية أو استنكار.
من النقد إلى “البوز”: نوايا غير بريئة؟ نشر الفاتورة بعد الاستهلاك الكامل للخدمة لا يبدو، في كثير من الأحيان، تعبيرًا بريئًا عن الرأي، بل يتحول إلى محاولة “لتحقيق البوز” أو الادعاء بأن صاحب المنشور “واعي” و”منتبه” للغلاء، رغم أنه كان بإمكانه بكل بساطة تجنب المطعم من البداية.
المشكلة تتفاقم عندما يتحول الأمر إلى تشهير بالمطعم، مما قد يضر بسمعة مشروع تجاري يعمل فيه عشرات الأشخاص، وقد يؤدي إلى خسائر غير مستحقة.
لا أحد يُجبرك على دخول مطعم معين، كما لا أحد يمنعك من التعبير عن رأيك، لكن بين النقد البناء والتشهير الفارغ خيط رفيع يجب احترامه، المسؤولية الأخلاقية تقتضي أن نكون صرحاء مع أنفسنا قبل أن نكون صرحاء على فيسبوك، فإن كنت لا تملك ميزانية مناسبة لمطعم معين، فاختر ما يناسبك بدلًا من تصوير الفاتورة بعد الأكل ومحاولة إيهام الناس بأنك ضحية “نظام رأسمالي متوحش”.


