بقلم عبد الرزاق المجيد صحيفة بلوس
في تطور مفاجئ وذي دلالات عميقة، جاء خطاب العرش لسنة 2025 ليعيد رسم معالم الإشراف السياسي على الانتخابات التشريعية المقبلة في المغرب، عبر تكليف مباشر من جلالة الملك محمد السادس لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بقيادة التحضيرات والاستشارات السياسية المرتبطة بهذا الاستحقاق المصيري.
هذا التوجيه الملكي، الذي يأتي على بُعد أقل من سنة من موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2026، اعتبره العديد من المحللين تحوّلاً حاسماً في مقاربة تدبير الانتخابات، خاصة في ظل الغياب اللافت لأي إشارة إلى دور رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، الذي قاد الحكومة منذ انتخابات 2021، والتي جاءت في سياق استثنائي طبعه تدبير تداعيات الجائحة والركود الاقتصادي العالمي.
منذ سنة 2014، ساد عرف سياسي غير مكتوب في المغرب يُفوّض لرئيس الحكومة الإشراف السياسي على الانتخابات، في حين تتولى وزارتا الداخلية والعدل الجوانب التقنية والتنظيمية لضمان الشفافية والنزاهة. وقد تم تثبيت هذا النموذج في عهد كل من عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، الذين قادا المشاورات الانتخابية باعتبارهما رئيسي حكومة منتخبين.
إلا أن ما حدث في خطاب العرش الأخير يُشير إلى عودة “المركزية السيادية” في تدبير العملية الانتخابية، من خلال وضع الملف كاملاً في يد وزارة الداخلية، ما يُعد – وفق كثيرين – تراجعًا عن عرف ديمقراطي بدأ يترسخ في الممارسة السياسية المغربية، أو ربما “إعادة ضبط” للمشهد السياسي استعدادًا لمرحلة جديدة من التدبير المؤسسي.
أخنوش في الظل.. تهميش أم نهاية مرحلة؟
الخطاب الملكي لم يتضمّن أي إشارة صريحة إلى دور رئيس الحكومة عزيز أخنوش في الإشراف على التحضيرات الانتخابية، وهو ما أثار جدلاً وتساؤلات واسعة حول مكانته السياسية. هل يتعلق الأمر بإبعاد تكتيكي لتخفيف الضغط عنه؟ أم أننا أمام نهاية مبكرة لزعيم “التجمع الوطني للأحرار” في ظل تراجع شعبيته وتصاعد الانتقادات ضد حكومته؟
فعلى مدار السنوات الأربع الماضية، واجهت حكومة أخنوش تحديات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، من ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتفاقم نسب البطالة، إلى تأخر الإصلاحات الاجتماعية الكبرى، ما أضعف موقعه السياسي وأفقد حكومته كثيراً من الزخم والدعم الشعبي.
تكليف وزير الداخلية بالإشراف على الانتخابات لا يمكن اعتباره فقط إجراءً إدارياً محايداً، بل يحمل رسائل سياسية واضحة تعكس توجه الدولة نحو مزيد من الضبط المؤسسي والاستعداد لتدبير انتخابي بعيد عن التجاذبات الحزبية. كما قد يكون بداية لإعادة هيكلة المشهد السياسي، خصوصاً إذا ما تم النظر إلى الخطوة في سياق الإشارات السابقة حول ضعف الأداء الحكومي والحاجة إلى تجديد النخب السياسية.
القرار أيضاً يُلمّح إلى أن الدولة تُحضّر لانتخابات ستكون فارقة في مستقبل الحياة السياسية المغربية، سواء على مستوى مشاركة المواطنين أو طبيعة التوازنات الحزبية الجديدة، ما يعني أن البلاد قد تكون مقبلة على تغيير في القيادة السياسية أو إعادة رسم للتحالفات بما يتناسب مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة.
هل دخلنا مرحلة “ما بعد أخنوش”؟
في نظر العديد من المراقبين، فإن مشهد تهميش رئيس الحكومة في أكبر محطة سياسية وطنية لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام. فسواء أكان ذلك إشارة إلى انتهاء دور أخنوش، أو تمهيدًا لخروجه بهدوء من الواجهة، فإن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصيره السياسي، خصوصاً إذا ما فشلت الحكومة في استعادة ثقة الشارع أو تحسين المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية قبل 2026.
خلاصة: المغرب يعيد تشكيل خريطته السياسية
خطاب العرش الأخير شكّل لحظة مفصلية، ليس فقط لأنه نقل الإشراف على الانتخابات من رئيس الحكومة إلى وزير الداخلية، بل لأنه كشف عن بداية تحول سياسي أعمق. من الواضح أن الرباط تتحرك بهدوء لإعادة هيكلة المشهد السياسي، وأن انتخابات 2026 لن تكون مجرد استحقاق عادي، بل لحظة إعادة تقييم شاملة لكل ما تحقق خلال العقد الأخير.
في هذا السياق، قد تُكتب نهاية أخنوش السياسية بصيغة هادئة ومنظمة، لا بالصدام أو الإقالة، بل عبر الإقصاء الرمزي والوظيفي من دوائر القرار الرئيسية، في انتظار ما ستُسفر عنه صناديق الاقتراع.


