احتضنت مدينة الرباط، يوم 19 دجنبر 2025، أشغال ندوة دولية تحت عنوان:
«التهجير القسري للمغاربة من الجزائر، ذاكرة الانتهاك وواجب الإنصاف»، وذلك بمناسبة مرور نصف قرن على جريمة الطرد الجماعي والتهجير القسري التي تعرّض لها عشرات الآلاف من المغاربة من التراب الجزائري سنة 1975.
الندوة، التي نظمتها العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، بقاعة زينيت بحي الرياض عرفت مشاركة وازنة لفاعلين حقوقيين، وباحثين، وأكاديميين، وممثلين عن المجتمع المدني، إضافة إلى ضيوف دوليين، حيث شكلت فضاءً للنقاش الحقوقي العميق حول واحدة من أخطر الانتهاكات الجماعية في تاريخ المنطقة المغاربية، والتي لا تزال آثارها الإنسانية والاجتماعية والنفسية ممتدة إلى اليوم.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن الندوة لا تهدف إلى استحضار الماضي بدافع الاستذكار الرمزي، بل تسعى إلى إعادة وضع القضية في قلب النقاش الحقوقي الدولي، باعتبارها جريمة تهجير قسري ممنهجة ترقى، وفق القانون الدولي، إلى جريمة ضد الإنسانية. كما شدد على أن العصبة جعلت من قضية المغاربة المطرودين من الجزائر جزءاً من ذاكرتها النضالية منذ سنة 1975، من خلال التوثيق والترافع ومواكبة الضحايا وطنياً ودولياً.
من جهتهم، أبرزت مشاركة خبراء وناشطين حقوقيين على المستوى الدولي، أن التهجير القسري يشكل أحد أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، لما يمسه من كرامة وهوية واستقرار أسري، مؤكدة أن ما تعرّض له المغاربة المطرودون من الجزائر يندرج ضمن الانتهاكات الجسيمة التي لا تسقط بالتقادم، والتي تستوجب تفعيل آليات المساءلة الدولية، والترافع أمام أجهزة الأمم المتحدة والمحاكم الإقليمية والدولية.
وشهدت الندوة مداخلات متعددة قاربت القضية من زوايا قانونية وتاريخية وإنسانية، كما تم تقديم شهادات مؤثرة لضحايا الطرد التعسفي، أعادت إلى الواجهة حجم المعاناة التي عاشتها الأسر المغربية، من تجريد من الممتلكات، وتفكيك الروابط الأسرية، وانتهاك صارخ للحقوق الأساسية.
وعرفت هذه الندوة، كذلك، توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، في خطوة وُصفت بالنوعية، تروم الانتقال من منطق التذكير المناسباتي إلى منطق الترافع الحقوقي المنظم والمستدام.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى توحيد الجهود من أجل الدفاع عن حقوق الضحايا، وتوثيق الذاكرة الجماعية للانتهاك، وإطلاق حملة دولية للتضامن، والعمل على إدماج القضية ضمن أجندة المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية، مع استكشاف سبل التقاضي الدولي وجبر الضرر الفردي والجماعي.
كما تنص الشراكة على العمل المشترك في مجالات التوثيق، والترافع القانوني، والتعبئة الإعلامية، وبناء التحالفات الدولية، وتفعيل آليات الأمم المتحدة، بما فيها الاستعراض الدوري الشامل والإجراءات الخاصة.
وأكد الطرفان، بالمناسبة، أن هذه الشراكة تشكل لبنة أساسية في مسار طويل يهدف إلى إنصاف الضحايا، ومساءلة المسؤولين عن هذه الجريمة، وترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وفاءً لقيم العدالة والكرامة الإنسانية.
واختُتمت أشغال الندوة بتوصيات تؤكد على أن قضية المغاربة المطرودين من الجزائر ليست شأناً ثنائياً، بل قضية حقوق إنسان بامتياز، تستدعي تعبئة وطنية ودولية، وإبقاء الذاكرة حيّة، إلى أن تتحقق الحقيقة والإنصاف، وتُردّ الاعتبار للضحايا


