دراجات نارية بين مطرقة القانون وسندان الواقع: هل التعديل جريمة أم ضرورة ؟

المهدي أبو العلا

هيلان

في ظل التزايد المضطرد لاستخدام الدراجات النارية كوسيلة تنقل أساسية، تبرز ظاهرة تعديل المحركات كإحدى الإشكالات التقنية والقانونية التي تتقاطع فيها متطلبات السلامة المرورية مع واقع السوق وغياب الوعي القانوني.

وتدور التساؤلات حول ما إذا كان تعديل الخصائص التقنية للمركبة خرقًا صريحًا للقانون، أم نتيجة لسلوكيات سوقية وممارسات تجارية تحتاج إلى ضبط لا إلى معاقبة المستخدم النهائي فقط .
تُعدّ عملية تعديل مواصفات محرك الدراجة النارية، سواء من حيث القوة الحصانية أو سعة الأسطوانة خروجًا عن المعايير المحددة في شهادة المطابقة التقنية وشهادة الملكية.

وتشمل التعديلات الشائعة تثبيت محركات أقوى غير مدرجة ضمن بيانات المركبة الرسمية، مما يُعد انتهاكًا لمقتضيات قانون السير وخرقًا لمبدأ المطابقة التقنية الذي تُبنى عليه السلامة الطرقية.

في هذا السياق، باشرت مصالح الأمن الوطني سلسلة من الحملات الميدانية الواسعة، تم خلالها تفعيل آليات الرقابة التقنية المباشرة، وحجز مئات الدراجات التي ثبت وجود اختلال بين البيانات التقنية الفعلية وما هو مدوّن في الوثائق الرسمية، وتستند هذه العمليات إلى مقتضيات القانون 52.05 المتعلق بمدونة السير، لا سيما ما يرتبط بتعديل مكونات المركبة دون ترخيص تقني مسبق.

وقد أثارت هذه الإجراءات الأمنية موجة من الاستياء داخل أوساط المستخدمين، خصوصًا أن العديد منهم اقتنوا هذه الدراجات جاهزة من محلات تجارية لم تلتزم بمبدأ الإفصاح الفني، كما عبّر بعض أرباب المحلات عن تخوفهم من تأثر تجارتهم سلبًا، في المقابل اعتبرت فعاليات مدنية وحركات مهتمة بالسلامة الطرقية أن هذه الحملات ضرورية للحد من ظاهرة السرعة المفرطة والاستعراض الخطير في الطرقات العمومية، والتي غالبًا ما تكون نتيجة مباشرة لتعديلات غير مرخّصة.

ويُطرح سؤال جوهري على ضوء هذه التطورات، هل يُعامل جميع السائقين بنفس المعيار القانوني؟ فهناك من اقتنى دراجة معدلة مسبقًا دون علمه بالاختلاف في الرقم التسلسلي للمحرّك أو التغييرات في الهيكل، بينما آخرون يتعمّدون إجراء تعديلات متقدمة تقنيًا (مثل تغيير العادم، تركيب شواحن توربينية مصغّرة أو مضاعفات السرعة) لأغراض استعراضية قد تعرضهم والغير للخطر، فهل تعتمد السلطات الأمنية على مبدأ النية الحسنة عند التقدير؟ أم أن التطبيق الصارم للقانون هو السبيل الوحيد للردع والضبط؟

بين مقتضيات التشريعات التنظيمية وواقع الأسواق التقنية، يظلّ موضوع تعديل محركات الدراجات النارية منطقة رمادية تحتاج إلى توازن بين فرض النظام والوعي، وبين تطبيق القانون وتقدير ظروف المواطنين، فهل يكون الحل في فرض مراقبة تقنية دورية صارمة ؟ أم في سنّ قوانين جديدة تُحمّل المسؤولية للجهات التجارية أولاً قبل المستهلك ؟ التساؤل مفتوح، والشارع يترقب جوابًا منصفًا

مشاركة هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *