من قلب زمور إلى ريادة الرقمنة: إدريس رحاوي يكشف حلم تحويل الخميسات إلى قطب للصناعات الثقافية والرقمية

كاتب الموقع

 

في ظل التحديات التنموية التي تواجهها العديد من المدن المتوسطة بالمغرب، تُبرز مبادرات نموذجية تسعى إلى إعادة رسم ملامح التنمية المحلية برؤية جديدة. من بين هذه المبادرات، يطفو إلى السطح مشروع طموح يقوده الأستاذ إدريس رحاوي، خبير في المجال الرقمي ورئيس المؤسسة المغربية للصناعات الثقافية والرقمية، يروم تحويل مدينة الخميسات إلى قطب وطني في مجالات الثقافة والرقمنة.

وفي هذا الحوار، يُسلّط إدريس رحاوي الضوء على دوافع اختيار مدينة الخميسات كنقطة انطلاق لهذا المشروع، ويقدّم تصورا متكاملا يقوم على استثمار المؤهلات البشرية والطبيعية للمنطقة، خاصة من خلال تحويل منتزه “ثالث مارس” إلى أول فضاء رقمي-إيكولوجي من نوعه في المغرب.

* في البداية، مرحبا بالأستاذ إدريس رحاوي في هذا الحوار؟

“شكرًا لكم على الاستضافة. سعيد بهذا اللقاء الذي يتقاطع مع حلم جماعي نشتغل عليه منذ سنوات، هدفه أن نعيد للخميسات مكانتها، ولكن هذه المرة من بوابة الإبداع والرقمنة”.

* لماذا الخميسات بالضبط؟ ما الذي يجعل منها مدينة مؤهلة لتكون رائدة في الصناعات الثقافية والرقمية؟

“الخميسات مدينة تمتلك كل المقومات: موقع استراتيجي بين الرباط وفاس، عمق ثقافي أمازيغي غني، طاقات شبابية مهمّشة لكنها مبدعة، وبنية سوسيولوجية مؤهلة لاستيعاب تحول من هذا النوع. ما ينقصنا هو فقط الإيمان الجماعي، والتصور المتكامل، والتنزيل الذكي. نحن لا نريد نسخة مكررة من مدن أخرى، بل نموذجًا متفرّدًا من قلب المغرب العميق”.

* كيف يمكن أن تتحول الثقافة من قطاع هامشي إلى محرك اقتصادي محلي حقيقي في الخميسات؟

“ببساطة: حين نعتبر الثقافة استثمارًا وليس ترفًا. الصناعات الثقافية في العالم تخلق مناصب شغل، تنشّط المدن، وتمنحها إشعاعًا. الخميسات قادرة على إنتاج محتوى فني، تراثي، سمعي بصري، يمكن تصديره بصيغ حديثة. نحن نطمح لخلق منظومة ثقافية رقمية تعيد الاعتبار للفنان المحلي، وتفتح آفاقًا للمهنيين، وتدمج النساء والشباب في الدورة الاقتصادية”.

* وماذا عن الرقمنة؟ ما هي فكرتكم لتحويل الخميسات إلى منصة للصناعات الرقمية؟

“هنا أُعلنها بوضوح: اشتغلت على فكرة رائدة لتكون مشروع استراتيجي لتحويل منتزه “ثالث مارس” إلى أول فضاء رقمي-إيكولوجي في المغرب. الرؤية هي أن نخلق منطقة صناعات رقمية إبداعية داخل فضاء طبيعي أخضر، يكون فيه العمل الرقمي متداخلاً مع الهدوء البيئي.

نطمح لإنشاء حاضنة رقمية داخل المنتزه: فضاءات للعمل المشترك، استوديوهات إنتاج، أكاديميات للتكوين في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الميتافيرس، التسويق الرقمي، تصميم الألعاب… والجميل أن هذا المشروع ليس فقط على الورق، بل نعمل عليه بشراكات حقيقية.

ما يعطيه مصداقية أكبر هو وجود كفاءات رقمية كبرى تنتمي لإقليم الخميسات، مثل الرائد العالمي في التجارة الإلكترونية السيمو لايف – محمد باعبيت، وأسماء أخرى شابة لها إنجازات معتبرة في التسويق الرقمي وصناعة المحتوى. نحن نراهن على “الرأسمال البشري المحلي” لقيادة هذا التحول، لا أحد سيفهم روح المكان أكثر من أبنائه”.

* هل تتوفر لديكم رؤية لتكوين وتأطير الشباب حتى يكونوا مستعدين لهذه الطفرة الرقمية؟

“بطبيعة الحال. نحن نؤمن أن التكوين هو العمود الفقري لهذا المشروع. نشتغل على إعداد برامج تكوينية قصيرة وفعالة في مجالات متعددة: التصميم، كتابة السيناريو، التصوير، المونتاج، التسويق الإلكتروني، البرمجة، وحتى ريادة الأعمال الثقافية.

الهدف هو تمكين الشباب من أدوات العصر، وتسهيل اندماجهم المهني محليًا أو عن بُعد. لماذا لا نحلم بشاب من الخميسات يُدير مشاريع دولية من جهازه المحمول وهو جالس في منتزه “ثالث مارس”؟..”.

* ما هي الجهات التي تعوّلون عليها لتفعيل هذا التصور؟ وهل هناك دور لمغاربة العالم في هذه الدينامية؟

“نحن نفتح أذرعنا للجميع: مؤسسات الدولة، الجماعات الترابية، وزارة الثقافة، المبادرة الوطنية، القطاع الخاص، والجامعات. كما أن مغاربة العالم عنصر أساسي في المعادلة، لأن لديهم خبرات، شبكات، وتمويلات يمكن أن تُحدث فرقًا. هدفنا خلق منظومة تشاركية لا مركزية تُدار بالكفاءات المحلية وتُموّل من الداخل والخارج”.

* هل هناك مدينة أو تجربة تعتبرونها ملهمة لهذا المشروع؟

“نعم، ولكننا نريد نموذجًا مختلفًا. لا نبحث عن نسخ تجربة مراكش أو الرباط، بل خلق نموذج الخميسات، الذي يجمع بين الهوية الأمازيغية، الإبداع الفني، والابتكار الرقمي في بيئة طبيعية. يمكننا أن نستلهم بعض التفاصيل من تجارب مثل وجدة الرقمية أو الصويرة الفنية، لكن هدفنا أن تكون الخميسات مختبرًا وطنياً للتنمية الثقافية الذكية”.

* رسالتكم الأخيرة لأبناء الخميسات، ولمن بيده القرار؟

“أقول لأبناء الخميسات: أنتم المستقبل، لا تنتظروا الضوء الأخضر، بل اصنعوه بأنفسكم. ابدؤوا بالمبادرات، بالتصميم، بالعمل الجماعي. وأقول للمسؤولين: أمامنا فرصة تاريخية لنُحدث تغييرًا حقيقيًا من خلال الثقافة والرقمنة، لا تتركوها تضيع. الخميسات قادرة أن تكون ليس فقط عاصمة زمور، بل عاصمة للصناعات الثقافية والرقمية في المغرب”.

شكرًا جزيلًا لك أستاذ إدريس رحاوي على هذا الحوار الغني والمُلهم. ونتمنى أن نرى هذه الرؤية تتحقق على أرض الواقع قريبًا.

الشكر لكم، وموعدنا في الخميسات الجديدة إن شاء الله.

مشاركة هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *