محمد هيلان
أثار مقطع فيديو تم تداوله بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة، جدلًا كبيرًا، حيث ظهر فيه ضابط أمن يعمل بفرقة السير الطرقي بمدينة مراكش، وهو يقوم بإجراء يتعلق بضبط مخالفة مرورية لسائح أجنبي، قبل أن يُتهم بمحاولة طلب رشوة خارج الإطار القانوني.
الفيديو، الذي تم تصويره خلسة، حمل اتهامات خطيرة لضابط الشرطة دون أن يكون قد صدر أي حكم قضائي بحقه، مما جعل إدارة الأمن تدخل على الخط بصرامة، حيث تعاملت المديرية العامة للأمن الوطني بسرعة وجدية مع الواقعة، وفتحت ولاية أمن مراكش، بتاريخ 08 غشت الجاري، تحقيقًا إداريًا وأمنيًا لتحديد التجاوزات والإخلالات المفترضة المنسوبة للضابط، بعد انتشار مقطع الفيديو الذي يوثق، بحسب صاحبه، محاولة تحصيل مبلغ مالي لا يطابق المنصوص عليه في محضر المخالفة.
وفي السياق ذاته، تم توقيف الموظف المعني مؤقتًا عن العمل، في انتظار نتائج التحقيق، وذلك تفعيلًا للإجراءات التأديبية التي يخولها النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني، في بادرة تؤكد النهج الصارم والحازم الذي تتبناه المؤسسة الأمنية في مواجهة أي شبهة فساد أو تجاوز للقانون.
لا أحد فوق القانون ولكن دون انتقام أو تشهير، ففي المقابل، تطرح الواقعة تساؤلات قانونية وأخلاقية عميقة حول الطريقة التي تم بها توثيق المشهد ونشره على العلن، حيث يُفترض حسب القانون المغربي أن أي عملية تصوير وتوثيق لأفراد أثناء قيامهم بعملهم، وخاصة موظفي الأمن، تستوجب إذنًا مسبقًا من الجهات المختصة.
والأخطر من ذلك أن نشر الفيديو دون انتظار نتائج التحقيق يشكل نوعًا من التشهير المسبق بالشخص المعني، الذي يبقى وفق الدستور والقانون بريئًا حتى تثبت إدانته بقرار قضائي نهائي، بعد تمكينه من حق الدفاع والاطلاع على كافة ملابسات الواقعة.
ويُخشى من أن يؤدي هذا النوع من “العدالة الرقمية” إلى إدانة معنوية واجتماعية مزدوجة، حيث يتحول الشخص المتهم إلى موضوع للسب والسخرية عبر الإنترنت، في مشهد يؤثر عليه وعلى محيطه العائلي والمهني، حتى قبل أن تثبت في حقه أي مخالفة رسمية.
التصوير وسلاح الانتقائية فمن الجانب الآخر، تُطرح علامات استفهام حول نية السائح الأجنبي الذي وثق الواقعة، فبينما يُشجَّع المواطنون والمقيمون على التبليغ عن أي تجاوز أو محاولة رشوة، يبقى من المشروع التساؤل: هل كان هذا السائح سيلجأ إلى التوثيق والنشر لو كان بصدد التعامل مع شبكة فساد مرتبطة بعقار، أو برخصة استغلال، أو جريمة منظمة؟ أم أن الأمر يندرج ضمن رد فعل انتقامي بسبب مخالفته؟
التبليغ عن الفساد واجب، نعم، ولكن في إطاره القانوني والمؤسساتي، لا أحد فوق القانون، ومَن يثبت تورطه في محاولة رشوة أو تجاوز سلطاته، يجب أن يُحاسب بالقانون، لكن أيضًا، لا ينبغي أن نفتح باب التشهير والفوضى الرقمية في التعامل مع التهم، حتى لا يتحول المجتمع إلى ساحة عامة لتصفية الحسابات الفردية.
إن العدالة لا تقبل التسرع، وأخيرًا تبقى المؤسسة الأمنية كما هو معروف، حازمة في التصدي لأي تجاوز داخلي، وتملك آليات فعالة لضبط ومحاكمة كل من يثبت في حقه خرقٌ للقوانين أو إساءة لاستعمال السلطة، لكن في المقابل يجب احترام القانون من الطرفين: سواء من المتهم، أو من المُبلّغ.
وإلى حين صدور نتائج التحقيق، من المهم التذكير أن كل متهم يبقى بريئًا حتى تثبت إدانته، وأن مواجهة الانحرافات لا يجب أن تكون مدخلًا لخرق خصوصية الأفراد أو التشهير بهم


