في زمنٍ أصبح فيه الوصول إلى الشهرة أكثر سهولة من الحفاظ عليها، تظل بعض القصص الاستثنائية جديرة بالتأمل والتوثيق، لا لكونها خالية من العيوب، بل لأنها تحمل في طياتها عناصر من الإصرار والتحول والقدرة على تجاوز المألوف. ومن بين هذه القصص، تبرز حكاية إلياس المالكي، المؤثر المغربي الذي استطاع أن ينتقل من سطح منزل متواضع بمدينة الجديدة إلى منصات دولية، وأن يحجز لنفسه مكانًا في مشهد صناعة المحتوى والترفيه، رغم كل الجدل الذي يرافق اسمه.
بدأ إلياس المالكي مسيرته من نقطة الصفر تقريبًا. فيديوهاته الأولى، التي نشرها وهو يشيد غرفة بسيطة فوق سطح منزل عائلته، كانت شاهدة على بداية مشروعه كمؤثر وصانع محتوى. آنذاك، كان حلمه أن يحقق دخلًا شهريًا يبلغ 40 ألف درهم، وهو الهدف الذي لم يلبث أن تجاوزه، بعد أن حظي محتواه بمتابعة جماهيرية واسعة، رغم ما شابه من انتقادات تتعلق بأسلوبه أو لغته الحادة أحيانًا.
لكن في العمق، كانت تجربة المالكي تتحدث عن أكثر من مجرد أرقام ومشاهدات، كانت تمثل محاولة للعبور من هامش المجتمع نحو مركزه، اعتمادًا على الذات، ودون خلفية أكاديمية أو دعم مؤسساتي.
توسعت طموحات إلياس المالكي لتشمل عوالم أخرى. فبعد أن رسخ اسمه ضمن أشهر صنّاع المحتوى في المغرب، شارك كمؤثر في أنشطة رياضية وفنية بارزة، كان آخرها إشرافه الرمزي على المنتخب المغربي المشارك في دوري الملوك، وربطه علاقة صداقة مع نجم برشلونة السابق جيرارد بيكيه، في لحظة أثبتت أن التأثير لم يعد حكرًا على المشاهير التقليديين.
كما كانت مشاركته الأخيرة في فيلم “كازا نيكر” محط اهتمام واسع، ليس فقط لمضمون العمل، ولكن لكونه خطوة رمزية نحو دخول عالم السينما، رغم الانتقادات التي وُجهت إليه خلال حفل الإعلان عن العرض الأول للفيلم، حيث جرى التقليل من شأنه، في مشهد أثار موجة تضامن معه من جمهوره.
لا يخلو مسار المالكي من الملاحظات. لغته الحادة، وبعض محتوياته التي وُصفت بأنها تتضمن تنمّرًا أو خطابًا غير لائق، تبقى نقاطًا تستدعي الوقوف عندها، لا من باب الإدانة، ولكن من منطلق الإيمان بقابلية التطور والإصلاح. فالشخص الذي بدأ من لا شيء وبلغ هذه المرحلة، يملك بلا شك القدرة على مراجعة نفسه، وتقديم محتوى يرتقي بتأثيره.
وربما ما يُحسب له أكثر، هو الجانب الإنساني الذي لا يظهر كثيرًا في العناوين، لكنه حاضر في أفعاله؛ فالرجل معروف بمبادراته الاجتماعية ومساعدته لفئات معوزة من ماله الخاص، دون جعجعة إعلامية أو استعراض.
في زمن يُمنح فيه لقب “إعلامي” دون تكوين، ويُعرض فيه محتوى ترفيهي لا يضيف الكثير سوى إثارة اللحظة، يبرز سؤال مهم: هل النقد الموجّه إلى إلياس المالكي نابع من حرص على جودة المحتوى، أم من تحفّظ طبقي على صعود شخص من وسط شعبي استطاع أن يكسر السقف الاجتماعي بمجهوده؟ وهل ما يُقدّم في بعض البرامج التي تُبث على قنوات كبرى أفضل فعلًا من محتوى المالكي، أم أن الاختلاف فقط في الشكل لا الجوهر؟
إلياس المالكي ليس قديسًا، وليس قدوة مطلقة، لكنه أيضًا ليس شخصًا عاديًا. هو نموذج لشاب مغربي تحدى واقعه، وراهن على ذاته، ونجح. وبين مؤيديه وخصومه، تبقى قصته واحدة من أكثر قصص النجاح الشعبي إلهامًا في العصر الرقمي. ومع استمرار حضوره، فإن السؤال الحقيقي ليس هل يستحق ما وصل إليه؟ بل: كيف يمكن تحويل هذا النجاح إلى تأثير إيجابي أكبر، ومحتوى أرقى؟


