
إكرام السلكاني / صحيفة بلوس
يشهد عالمنا اليوم تغيّراتٍ متسارعة تمسّ أسلوب العيش والتفكير، مما جعل الكثير من القيم والعادات الأصيلة تتراجع أمام موجة من المظاهر المادية والثقافات الدخيلة.
وقد أصبح الإنسان المعاصر ينجرف وراء ما يلمع ويُظهر، ناسيًا ما يحمله موروثه الثقافي من حكمة ومعرفة، وما تختزله الأمثال الشعبية من دروسٍ عميقة صاغتها تجارب الأجداد.
وفي خضم هذا التحول، يبرز سؤال جوهري حول مدى تمسّك الأجيال الحالية بهويتها، ومدى قدرتها على التمييز بين ما ينفع العقل والروح وما يجرّها إلى التفاهة والسطحية. ومن هنا تأتي أهمية هذا النص الذي يناقش تلاشي الاهتمام بالثقافة الأصيلة، وانتشار السلوكيات الفارغة، والدعوة إلى إعادة الاعتبار للقيم والمعرفة التي بُني عليها المجتمع عبر الزمن.
أين هي الفائدة؟
أصبحنا نعيش داخل مجتمع تغيّرت عاداته وتقاليده، ولم نعد نولي أي اهتمام لما يعود علينا بالمنفعة والمعرفة ،فقد صار الناس في السنوات الأخيرة تائهين، يخدعهم كل ما هو ظاهر ومادي، بينما تراجع كل ما هو معنوي وثقافي يعود بالخير على الإنسان.
فعلى سبيل المثال، عند لقاء الأحباب والأصدقاء خلال الأعياد الدينية والعطل والمناسبات المختلفة، نجد أن معظم الأحاديث تدور حول النميمة والحوارات الفارغة التي لا تنفع أحدًا. أمّا أجدادنا فكانوا يبحثون عمّا ينفع العقل ويعين على شؤون الحياة اليومية، وكان كل واحد منهم يستفيد من الآخر؛ إذ كانوا يقولون: “اللّي تجلس معاه على المايدة وما دّيتي منّو فايدة، رفاقتو غير زايدة.”
أمّا اليوم، فشباب هذا العصر — بالرغم من وجود من يزال منهم يغار على ثقافته — يتساءلون: إلى متى سنبقى على هذا الحال؟ حواراتنا بلا جدوى، وثقافتنا غنية بكل جوانبها ،المقاهي ممتلئة، والمكتبات تزين الطريق العام لكنها شبه خالية من الزوار، أين هي الفائدة التي تحدث عنها أجدادنا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ إلى أين؟ إلى أين؟
لقد سمعنا وقرأنا الكثير من أمثالنا الشعبية التي تُعدّ من أفضل العِبَر والدروس المستوحاة من الماضي، ومن التجارب العميقة التي عاشها أجدادنا والأجيال التي سبقتهم ،ورغم ذلك، لم نعد نهتم بها ولا نمنحها قيمتها.
ومع تطور الحياة وتغير نمط العيش، استُبدلت ثقافتنا بثقافات أخرى، واستبدلت عاداتنا بعادات شعوب لا تربطنا بها أي صلة، فشباب اليوم لم يعد يحافظ على تقاليد الأجيال السابقة، وأصبح يبحث دائمًا عن كل ما هو جديد: الهاتف، السيارة، المجوهرات، الألعاب الإلكترونية… دون أن يعير أي أهمية للموروث الثقافي والغنى التاريخي الذي تركه الأجداد. وهنا نستحضر قولهم: “الجديد ليه جدّة، والبالي لا تفرّط فيه.”
لقد توفّر لشباب اليوم كل ما يحتاجون إليه، ومع ذلك لم يُقدّروا ما لديهم؛ كما يقول المثل المغربي: “لقّى الشفنجة وقال عوجة.” وهي عبرة لمن لا يرى قيمة ما يملكه بين يديه.
كفانا عبثًا واستبدالًا للأشياء الثانوية، ولنعُد إلى الاهتمام بثقافتنا ومعرفتنا وتاريخنا المجيد.
لذلك أتساءل: أين هي ثقافتكم يا عرب؟ أين هي ثقتكم بأنفسكم وتراثكم التاريخي وإنجازاتكم العظيمة في الماضي؟ لماذا أهملتم كل ذلك؟ أين عزّتكم ونخوتكم؟
إن ما نعيشه اليوم من تراجع في الاهتمام بالثقافة الأصيلة والابتعاد عن قيم الأجداد ليس قدرًا محتومًا، بل هو نتيجة اختيارات يمكن تصحيحها متى أدركنا خطورتها. فالمجتمع الذي ينسى تراثه يفقد جزءًا من هويته، ويضعف قدرته على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.


