“تقول لنا أرقام المندوبية السامية للتخطيط إن فقر البوادي أكثر تسع مرات من فقر المدن، وإن 10 من الأغنياء يستهلكون ثلث الإنتاج الوطني، و26٪ من الشباب الحاصلين على عمل حصلوا عليه بفضل الوساطات والزبونية والعلاقات الخاصة، وربما الرشوة وأشياء أخرى.
لا توجد استراتيجيات ناجعة لتجاوز الفوارق الاجتماعية الصارخة، لا توجد سياسات عمومية ومشاريع كبرى لمساعدة الفئات الهشة والفقراء والمساكين والمهمشين على الارتقاء الاجتماعي، والخروج من الهشاشة إلى الفئات الوسطى، كما فعلت البرازيل مثلا، التي أخرجت 30 مليون مواطن من خانة الفقر ووضعتهم في خانة الطبقات الوسطى في عشر سنوات فقط، أو الصين التي أخرجت 300 مليون مزارع فقير من حالة البؤس إلى مصاف الفئات الوسطى في ظرف 30 سنة.
الذي يوجد عندنا هو مشاريع صغيرة للصدقة والإحسان، مثل مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ودعم النساء المطلقات المعوزات والأرامل الفقيرات، هذا يسمى الترقيع الاجتماعي، وهو ضروري لكنه ليس كافيا. وظيفة الحكومة والدولة ليس توزيع الزيت والبيض والدقيق على الفقراء. وظيفة الدولة أن تبني مصاعد اجتماعية تساعد الفقراء على الحركة من طبقة إلى أخرى. وظيفة الدولة أن تحرر الصعود والنزول بين الطبقات الاجتماعية حسب الاستحقاق والعمل والاجتهاد والطموح والمغامرة، وأن تضمن المساواة بين الفئات، وأن تحارب الاحتكار، وتوزع فاكهة النمو بالعدل على كل الفئات، وأن ترعى الأولى بالرعاية بواسطة التمييز الإيجابي والتحفيز المادي، لأن الدولة العاقلة تعرف أن الأغنياء والفقراء في سفينة واحدة، وإذا غرق البعض فسيجر معه الجميع إلى قاع البحر.
( من أرشيف توفيق بوعشرين)


